إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
26927 مشاهدة
من أبغض شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو رده

أما الناقض الثالث: فذكر أنه (من أبغض شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو رده).
لا شك أن الواجب تَقَبُّل دين الإسلام، وعدم رد شيء منه، وعدم الإنكار لشيء من هذا الإسلام، فالإسلام الذي هو الشريعة سواء كان اعتقادات أو أعمالا كله مُجْتَمِع لا يتجزأ ولا يتفرق، فمن قبل بعضا دون بعض اعتبر قد فرق بين ما أمر الله تعالى به، فالواجب على المسلم أن يحب الله تعالى، وأن يحب كل من يحبهم الله، وأن يحب كل شريعة أمر الله بها، وأن يفعلها وهو مطمئن بها، معتقد أن فيها الفلاح والفوز والظفر.
هكذا يكون المؤمن، يحب الصلاة ولو كانت ثقيلة على بعض النفوس، قال تعالى: وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فالذين هدى الله تعالى خفيفة عليهم، ومحبوبة لديهم، ولذيذة في نفوسهم، يحب الصدقات، يحب الصيام، يحب الحج والعمرة، يحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحب كتاب الله تعالى، يحب ذكره ويتلذذ به، يحب دعاء الله تعالى، يحب التفكر في آياته وفي مخلوقاته، وهكذا أيضا يحب أولياء الله الذين يحبهم الله تعالى، فيحب كل مؤمن، ويتقرب إلى الله تعالى بمحبتهم، فيحب النبي صلى الله عليه وسلم، ويقدم محبته على محبة كل شيء.
ومعلوم أنه إذا فعل ذلك أبغض ضده ولا بد، فالمؤمن المسلم الموحد يبغض الشرك وينفر منه، ويبغض المعاصي ويبتعد عنها، ويبغض البدع ويبتعد عنها وعن أهلها، وكذلك يبغض الذنوب صغيرها وكبيرها؛ ولو كانت تشتهيها النفس، ولو كانت تميل إلى بعضها، ولو كانت لذيذة عند النفوس أو عند بعض النفوس المريضة، فيبغض الغناء وينفر منه، ويبغض الزنا، ويبغض الخمر ولو كان شرابا روحيا لذيذا -كما يقولون- ويبغض اللهو واللعب، وكل شيء يبغضه الله تعالى.
فإن من أحب الطاعات أبغض المعاصي، ومن أحب المعاصي أبغض الطاعات، ومن أحب الله أبغض أعداءه وأحب أولياءه، ومن أحب أولياء الله أبغض أعداءه، وأحب الله وأحب شرع الله تعالى.
فهكذا يكون المسلم أنه لا يبغض شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتبرأ منه؛ بل يحب ذلك ويتلذذ به، وهكذا كان الصالحون، الصالحون من عباد الله كانوا يتلذذون بالطاعة، كانوا يتلذذون بقيام الليل، يرون أنه سرورهم وبهجتهم، كانوا يتلذذون بذكر الله تعالى، يقول قائلهم:
بذكر الله ترتـاح القلوب
ودنيانا بـذكراه تطيب
يعني بقوله: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ هذا كان دأبهم؛ يحبون الله ويحبون ما يحبه الله، ويبغضون ما يبغضه الله.
فمن أبغض شيئا مما جاء عن الله تعالى فقد ارتد وكفر وانتقض دينه؛ وذلك لأنه لم يكن مطمئنا بأن هذا من الله تعالى؛ ولو كان كذلك لأحب كل ما جاء عن الله سبحانه، فإذا أبغض شيئا من السنة أو من الشريعة الإسلامية وتمنى أنه ما جاء، وقال: ليت الله ما حرم الزنا، ليت الله ما حرم الخمر، ليت الله ما حرم الغناء، ليت الله ما حرم السفور والتبرج، وما أشبه ذلك، ليت الله ما أوجب الصلاة، ليته ما أوجب الزكاة، ليته ما أوجب الصيام، أو ما أشبه ذلك؛ نقول: هذا قد كَفر حيث أنه أبغض الشريعة وأبغض أفرادها، فيكون بذلك قد أبغض ما جاء عن الله، واعتقد أن الله تعالى ليس حكيما، أنه يأمر بما لا تحبه النفوس، يأمر بما لا يتلاءم مع النفوس، وأنه سبحانه يشرع أشياء لا تناسب العقول، وهذا خطأ كبير، هذا ناقض من النواقض.